الإثنين 1 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

بين دراما السياسة وتكتيك الفن:

«ساحر الكرملين».. الفيلم الأول عن «بوتين»

حين تتقابل الرصاصات مع قوة الكلمات، تنشأ مواجهة من طرازٍ آخر؛ صراع لا يُسمع فيه هدير الطائرات الحربية، ودوى انفجارات المدافع، بل صدى الرسائل الخفية، والإيحاءات الرمزية، والحوارات التى توجه الرأى العام، بصوت أقوى من القذائف.



إنها حرب من نوع خاص، حيث تقف القوة الناعمة فى مواجهة القوة الصلبة، لا على ساحة المعركة التقليدية، بل فى فضاء الذاكرة، والوعى الجمعى، والتأثير الثقافى، وهو ما يتفنن فيه (الغرب)، وتحديدًا (هوليوود) الذين استخدموا لعقود طويلة الفن فى السياسة فى محاولة لتوجيه الرأى العام، والتأثير على الفهم والوعى، بما يخدم مصالح «الولايات المتحدة»، وحلفائها فى المقام الأول.

وفى هذا الصدد.. يأتى فيلم (The Wizard of the Kremlin)، أو (ساحر الكرملين) ليس كعرض سينمائى عابر، بل محاولة لتفكيك صورة الرجل الذى ينسج خيوط اللعبة، لا بصوتٍ مرتفع، بل بصمت طويل يمتد عبر السياسة، والإعلام، والفكر، فى فيلم لا يقصف -من تعتبره «واشنطن»- العدو بالقنابل، بل بالأفكار.

 فيلم يدور فى دهاليز السلطة

(ساحر الكرملين)، هو فيلم إثارة سياسى دولى إنتاج فرنسى أمريكى مشترك، يهدف للدخول فى دهاليز السياسة الروسية بملحمة درامية،  من بطولة «جود لو»، الذى يلعب شخصية الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» فى أول تجسيد له فى عالم السينما؛ كما يشاركه فى البطولة -أيضًا- كل من: «أليسيا فيكاندر، وزاك جاليفياناكيس، وتوم ستوريدج، وجيفرى رايت».

ومن المقرر عرض الفيلم فى نوفمبر المقبل، وهو من إخراج «أوليفييه أساياس»، وسيناريو «أساياس وإيمانويل كارير».

يذكر، أن الفيلم مقتبس من رواية فرنسية تحمل الاسم نفسه، صدرت فى أبريل 2022 -أى بعد شهرين من قيام الحرب الروسية الأوكرانية- للكاتب الإيطالى -السويسرى «جوليانو دا إمبولى»، وتحولت سريعًا إلى علامة أدبية أوروبية، حيث نالت الرواية «الجائزة الكبرى للرواية» من الأكاديمية الفرنسية. 

ورغم أن الفيلم يجسد شخصية الرئيس الروسى، إلا أنه ليس البطل، حيث تروى القصة من وجهة نظر شخص آخر، إذ يتتبع الفيلم شخصية «فاديم بارانوف» الخيالية، الذى يلعب دوره الممثل «بول دانو»، وذلك خلال السنوات الأخيرة من عمر «الاتحاد السوفيتى»، والبداية المضطربة لدولة «روسيا»؛ بينما يصعد «فلاديمير بوتين» الشاب إلى السلطة.

وبحسب ملخص الفيلم، يعمل «بارانوف» فى قلب السلطة الروسية، ويخلط الحقيقة بالأكاذيب، والأخبار بالدعاية، ويوجه المجتمع بأكمله.

 قصة الشخص الغامض

يقال إن شخصية «بارانوف» الخيالية فى الفيلم، هى نفسها شخصية «فلاديسلاف سوركوف»، الذى كان مسئولًا -بالفعل- فى الكرملين، ويُنسب إليه على نطاق واسع -ما يسمى- بـ(الديمقراطية السيادية)، أو (الديمقراطية المدارة)، التى أصبحت السمة المميزة لحكم «بوتين».

ويعد «سوركوف»، المستشار الحقيقى لـ«بوتين»، والذى كثيرًا ما وُصف ب»عقل السلطة الروسى»، واعتبره المجتمع فى مرحلة ما أقوى شخص فى «روسيا»، والرجل الثانى بعد الرئيس الروسي؛ أما الغرب فاعتبروه (شيطان الكرملين)، و(المسؤول الرئيسى فى تغيير المسار السياسى لروسيا).

 ورغم هذه الميزات، وبدون سبب واضح، فقد «سوركوف» نفوذه وسلطته، وتحول إلى رجل متقاعد، بعد فقدان منصبه، رغم كل ما كان يتسم به، ما جعل حياته المهنية تحمل نوعًا من الغموض، وفيها لغز كبير، خاصة المهنة الأخيرة التى تولاها قبل انتهاء مسيرته.

فوفقا لوكالة أنباء «رياليست» الدولية التى تبث باللغتين الروسية والعربية..  فإن «سوركوف»، الذى لم يكن فى السابق جزءًا من حاشية «بوتين»، احتكر عمليًا تشكيل الفضاء السياسى، فكان هو الذى حدد كيف يجب أن تبدو الأحزاب السياسية ونوع التحالفات التى ستكون بينها.

وأوضحت الوكالة أن «سوركوف» أصبح عمليًا تجسيدًا للفضاء السياسى الروسى، وسُمح له أن يأخذ على عاتقه قضايا التفاعل بين السلطات والصحافة، نظرًا للتأثير على الناس من خلال شاشات التليفزيون. 

ثم صارت الأعين كلها حول هذا الشخص، من أجل معرفة تفاصيل البلاد.. ورغم تمتعه بهالة كبيرة من الشهرة، إلا أنه فقد ذروته فى السلطة بعد أن كان مسؤولا عن جنوب «القوقاز»، ثم (العلاقات مع «أوكرانيا») فى منصبه الأخير، قبل أن يترك السلطة ويسدل الستار، وتنتهى رحلته المهنية!

انطلاقًا من تلك التفاصيل، يبدو أن الفيلم قد يحمل العديد من الرسائل السياسية، والتى تسعى لفهم عقلية السلطة من خلال الرجل المتقاعد «سوركوف»، فى وقت بالغ الحساسية بالنسبة لموسكو، حيث دخلت الحرب الروسية الأوكرانية عامها الرابع على التوالى.

ومع ذلك، من غير المعروف ما إذا كان «سوركوف»، هو من أدلى بتفاصيل أروقة الكرملين لمؤلف الرواية أم لا، إذ وُضع تحت الإقامة الجبرية فى «روسيا»، بتهمة اختلاس أموال مخصصة لمنطقة «دونباس» فى «أوكرانيا» فى أبريل 2022،  أى نفس شهر صدور الرواية!!

من جانبه، علق  المتحدث الرسمى باسم الرئاسة الروسية «دميترى بيسكوف» فى يناير الماضى، بأن صناع الفيلم لم يتوجهوا مطلقًا إلى الكرملين بطلب استشارة، أو متابعة بشأن العمل؛ قائلًا: «شاهدنا تقارير عن الفيلم، لكننا لا نعلم عنه شيئًا». 

وأضاف أن الكرملين لا يعرف ما هو موضوع الفيلم، ما هى حبكته، أو ما يتعلق به من تفاصيل.

 الهدف.. فن أم سياسة؟

رغم أنها ليست المرة الأولى، التى يحاول فيها الفن سبر أغوار السياسة الروسية، إلا أنها الأولى التى يتم فيها تجسيد شخصية «بوتين» فى لحظة مشحونة عالميًا، حيث تستمر الحرب الروسية الأوكرانية، التى تحمل معها تغييرات كبرى فى المشهد الجيوسياسى. 

وعليه، فإن عرض الفيلم فى هذا التوقيت، من أجل عرض عقل السلطة الروسية فى عمل سينمائى، والمقرر ترجمته إلى 30 لغة، وفقًا لصحيفة «ديلى ميل البريطانية» ليس مجرد خيار فنى، بل حدث ثقافي-سياسى بامتياز، يوضح الرؤية والرواية الغربية للكرملين.

كما أنه من المتوقع أن يثير الفيلم نقاشات حادة، حول مدى حياديته، أو انحيازه، أو حتى مخاطر عرضه فى هذا السياق الدولى المتأزم؛ وذلك وسط تساؤل فى غاية الأهمية.. هل يمكن لفيلم أن يفسر القيادة الروسية الحديثة، دون أن يقع فى فخ التسييس الغربى، أم أن الفيلم مجرد أداة؟!